تجارة العقل والفكر من أربح أنواع التجارة على وجه الإطلاق، والعقل السوري تميز على مستوى العالم بجودته ونقاء مخرجاته واكتشافاته العلمية، ولأهمية هذه التجارة أكد السيد الرئيس بشار الأسد في أكثر من مناسبة على ضرورة الاهتمام بها .
إلا انه للأسف الشديد نجد في الكثير من الأحيان أن الجهات التنفيذية المختصة بمتابعة واحتضان هذه العقول وعلى رأسها وزارة التعليم العالي بعيدة كل البعد عن الرؤى الإستراتيجية لاستثمارها بالشكل الصحيح ، بل نجدها أحياناً هي المسبب الرئيسي لهجرة هذه العقول إلى الخارج ، وما ينتج عنه من ضياع لمقدرات بشرية ، الوطن أولى من أي دولة أخرى بها بحكم الانتماء أولاً ، والدم النابض في العروق ثانياً ..
وهذه الديباجة هي مقدمة لمأساة تطالعنا بعض فصولها بين الحين والآخر من أبطالها طلبة الدراسات العليا ” الماجستير والدكتوراه ” في الجامعات السورية ، وحظهم العاثر مع الأنظمة التعليمية البالية التي تحكم مصيرهم ، ومصير أبحاثهم العلمية التي غالباً ما تضيع في غيابات النسيان والأدراج ، فلا المجتمع يستفيد منها ولا التطور العلمي يأخذ منها كونها لم تبرح حدود الفكر النظري الذي يفتقد إلى الدعامات العملية في البحث والتقصي والتطبيق العملي على أرض الواقع ، فكم من البحوث العلمية لطلاب الماجستير والدكتوراه هي حبيسة الواقع النظري .. ؟؟ بينما نجد في دول العالم المتقدم تكنولوجياً أن الباحث والبحث العلمي يهيئ له كل متطلباته للوصول بأهدافه العلمية إلى الواقع التطبيقي العملي المنتج للمجتمع والإنسانية بعيداً عن التقييد بقيود الأنظمة التعليمية التي تجهضها في الكثير من الأحيان في مهدها تحت مسميات قواعد القبول والتسجيل والمدة الزمنية وإلا الاستنفاد والضياع والخسارة ، علماً أن التاريخ العلمي يذخر بنتاجات علمية أنارت للبشرية ظلمات كثيرة كانت نتاج محاولات وتجارب قاربت المئات من المرات حتى الوصول إلى الهدف المنشود ، فلو أن ” أديسون ” وغيره من علماء العالم طبّق عليهم نظام التعليم العالي في سورية لكانت البشرية تغط في ظلام دامس منذ دهور عديدة .
فيبدو للأسف أنّ وزارة التعليم العالي مازالت لا تستطيع أن تخرج من إطار قيودها وقواعدها التي ” بيدها تعديلها ” فما زالت تحتم على طلاب الماجستير عدد سنوات قليلة لإنهاء أبحاثهم ، رغم ما قد يعترضهم من منغصات ومعوقات غالباً ما تكون ناتجة عن هذه الآلية البالية في طريقة التحضير والبحث والمناقشة والامتحان وغيرها ..
والكثير منهم يتساءل بألم :
هل يعقل أن يستنفد العديد من طلاب الماجستير لفرص النجاح والتقدم للامتحان والمناقشة وغيرها لرسوبه في مادة أو بسبب عدة علامات قد تكون لسبب قاهر أو خارج عن الإرادة..؟؟
ونحن نسأل السيد وزير التعليم العالي :
هل يعقل أن تذهب السنوات الماضية لطلاب الماجستير المنتهية مدة السماح النظامية لهم وفق الأنظمة النافذة أدراج الرياح.. ؟؟
وقبل كل ذلك هل يعقل أنّ نقضي على عقول نيرة يمكن آن تقدم لسورية النماء والازدهار في هذا الاختصاص أو ذاك الاختراع ، وكل ذلك بسبب قصور في هذه الأنظمة المتبعة والعقلية الإدارية المسيطرة واللامبالاة في متابعة أحوال هؤلاء العلماء وتوفير كل مستلزمات نجاحهم والأخذ بيدهم إلى مصاف الإنتاج العلمي النافع والحقيقي .. ؟؟
نأمل أن نخرج قريباً من دائرة اللامبالاة التي تسيطر على عقول بعض القائمين على قرارات وزارة التعليم العالي وننطلق نحو الأمام في مسيرة الإصلاح العلمي والتعليمي في سورية .!!
محمود مصطفى صهيوني