كانت تتحرك بعجلة بين أروقة المركز …. “سيدة خمسينية” تتنقل من نافذة لنافذة لتستكمل أوراقها…. اقتربت منها وسألتها لماذا لم يحضر ابنك ليكمل تسجيله بنفسه..؟؟ أجابت مبتسمة: أنا أسجل لنفسي…أنا طالبة في برنامج التعليم المفتوح..، تزوجت صغيرة والآن بعد أن كبر أولادي أحببت أن أتابع وأحقق حلمي بالدراسة الجامعية…وبإحداث التعليم المفتوح وجدت الفرصة سانحة لي لأحصل عما حرمت منه في صغري…
قديماً قيل العلم في الصغر كالنقش على الحجر والعلم في الكبر كوخز الإبر…فهل أنظمة التعليم الجديدة تقلب هذه المقولة ولا يبقى العلم والتحصيل العلمي حصراً وحكراً على صغار السن…؟ للحديث عن ذلك التقى موقع الاتحاد الوطني لطلبة سورية بعض طلاب العلم من كبار السن وكانت اللقاءات التالية:
قيمة مضافة..
ع.س طالب تعليم مفتوح يدرس الإعلام وقد تجاوز الأربعين عاما قال: سجلت بأكثر من فرع من فروع التعليم النظامي طبعا حين كنت في السن القانوني، فقد درست في كلية العلوم لمدة سنة ، ثم سجلت في كلية الحقوق ودرست فيها سنتين وبسبب الوضع المالي السيئ اضطررت للسفر إلى إحدى الدول الأوربية للعمل هناك ، وعندما عدت وجدت نفسي مفصولا من الجامعة بسبب استنفاد سنوات الرسوب، فبدأت أعمل بعض الأعمال الحرة… إلى أن وجدت نفسي أخيرا في مهنة الصحافة، ووجدت نفسي في هذا العمل، ولكن كنت أعاني من السؤال الدائم هل أنت خريج إعلام..؟ كنت أرتبك بالإجابة واحرج من هذا السؤال وعند إجابتي بلا أجد أن الشخص الذي أقابله يغير من معاملته لي… فأدركت أن الشهادة حتى ولم تعطني شيء على الصعيد العلمي والعملي فهي ضرورية وتعطي قيمة مضافة سواء من لجهة التحصيل العلمي او للحصول على فرص عمل أكثر وحتى …
وتابع: عندما تم افتتاح قسم الإعلام في التعليم المفتوح وجدت الفرصة سانحة لأحصل على الشهادة…و قررت التسجيل فيه رغم أنني تجاوزت الأربعين،
و أضاف : صحيح أن التعليم المفتوح افتتح للكبار إلا أني فوجئت أن معظم الطلاب هم من صغار السن…فأنا : درست الجامعة مع ابنتي وكنا نتنافس من سيتخرج أولاً ولكنها سبقتني..
حلم الطفولة يتحقق..
ويرى ع. ح الذي تجاوز الخمسين عاما لا يزال حتى الآن طالباً على مقاعد الدراسة في المعهد العالي للتنمية الإدارية
أن هناك سببان لمتابعة تحصيله العلمي وأنا بهذا العمر يؤمن أولا أن الإنسان يدرس حتى الموت و لا يتوقف تحصيله للعلم عند أي عمر كان ويجب ألا يكون العمر سبباً ليتوقف الإنسان عن متابعة تحصيله العلمي…، والسبب الثاني برأيه هو برأيه الوصول إلى مستوى اجتماعي جيد ولائق ، فالشهادة الجامعية و الماجستير أو الدكتوراة كانت دائما الحلم الذي طالما راوده منذ صغره ،و لازل يعمل على تحقيقه، وأضاف : حصلت على لسانس علوم سياسية، وكنت قد وصلت للسنة الثالثة أدب فرنسي ولكنني لم أستطع أن أكمل دراستي لعدد من الظروف الصعبة التي مررت بها, أما الآن فقد وجدت الظروف سانحة لأتم علمي بعد أن استقرت أوضاعي المادية والعائلية، وتابع : بالطبع الدراسة في هذا السن ليست من الأمور السهلة، فأول شيء نواجهه هو عدم الانسجام بين الأجيال من حيث الأفكار فزملائي حاليا على مقاعد الدراسة هم بعمر أولادي وأحيانا أصغر.. ولكن هذا لا يمكن أن يقف بوجه تحقيق حلمي….الذي اقتربت من تحقيقه…
بابا الكسول..
أما احمد فهو يشغل حاليا معاون مدير….. ويبلغ من العمر42 عاما وهو خريج كلية التربية قسم علم النفس ويتابع حاليا دراسة دبلوم في التسويق قال لنا: السبب الذي أجل تخرجي وحصولي على الشهادة التي اطمح بها هو الالتزام بالدوام سابقا بسبب وظيفتي ، ففي البداية التزمت بالعمل الوظيفي( بسبب الأوضاع المالية ) وكان علي أن أختار إما الوظيفة أو الدراسة، ومن بعدهما الأسرة والبيت..ولكن دائما كانت رغبتي قوية للدراسة وإتمام هذه المرحلة، واشتدت رغبتي بالتحصيل العلمي بعد أن أصبح لدي أولاد وصاروا حافز بالنسبة لي لأتمم ما بدأته.. و لأجعلهم يفتخرون بوالدهم (مع أنهم أحيانا يسخرون مني لأنني لازلت طالباً) وأصبح اسمي بينهم “بابا الكسول”…
وأخيرا : لم يعد مستغربا هذه الأيام أن نرى الشيب والشباب معاً على مقاعد الدراسة لأن الإنسان بطموحه وبجده قادر على أن يصل إلى أعلى الدرجات…
ولاشي يستطيع أن يقف أمامه لأن طموح الإنسان لا حدود له..
رانية وجيه المشرقي
Ranea-journal@hotmail.com