يتابع الفنان علاء كريميد مشروعه الفني مع فرقته سمة للمسرح الراقص مؤكداً في عرضه الأخير (دقائق) قدرة الجسد على كتابة مشهدية مغايرة لمسرح سوري معاصر ينتشل فيها الدراما من كثافة الحوارات اللفظية والصراعات التقليدية إلى مساحات أكثر رحابة قادرة على مخاطبة الجمهور عبر الحركة الراقصة.
وفاجأت الفرقة السورية جمهورها الذي جاء لحضورها الخميس في مسرح الدراما بدار الأوبرا السورية بتوليفة حركية عالية المستوى قاربت عبرها أنماط عدة من الرقص الحديث والمعاصر مستحضرةً خبرة ثماني سنوات من التشكيل الجسدي المتواصل حيث تميزت اللوحات التي قدمتها بجرأة فنية لافتة دمج من خلالها الفنان كريميد بين صوفية الجسد وفعاليته المادية مستعيراً وظائف جديدة لرقص يبتعد عن الاستعراض في سبيل تعزيز الجملة الحركية وإعلاء شأنها درامياً على الخشبة.
وتنوع برنامج الأمسية المسرحية الراقصة لتقدم (سمة) هذه المرة لوحات تحت عناوين متعددة كان أبرزها.. (بكرا.. رأي.. سباق.. استمرار.. امرأة..) متوجةً ذلك بلوحة (ضاقت العبارة) التي عادت فيها الفرقة إلى بدايات عروضها في (كريوغراف) مطورةً أنماطاً جديدة من التصعيد الصوفي الراقص للجسد لتصبح جملة النفري الشهيرة (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) بمثابة مقام من مقامات الحركة التي يتخلص فيها الراقص من أنماط المدارس الغربية المعاصرة نحو هوية جديدة للحركة تصيغها أجساد الراقصين بجماعية لافتة يتحد من خلالها مفهوم (الروح والجسد) بمفهوم (وحدة الوجود) عند المتصوفة.
وتخلصت (سمة) في عرضها الجديد من ثنائيات حركية سيطرت على مسرحياتها الاستعراضية لتبدأ هذه المرة خطوة جديدة نحو لغة جسدية خالصة ذات أبعاد تعبيرية تؤكد أن الحركة ليست وصيفاً للدراما بقدر ما تكون الحركة هي الدراما ذاتها حيث تجلى ذلك في النبرة الجديدة لجسد الراقصين على الخشبة من خلال بناء علاقة شفافة بين النص الموسيقي من جهة وبين قدرة الجسد على ترجمة هذا النص إلى مقطعية حركية دائمة الانفلات من نمطية العروض الراقصة التي تميل عادةً إلى إقحام الحركة على مختاراتها الموسيقية.
كما تمكن مصمم الرقص السوري كريميد في عرض (دقائق) من إعادة حيوية جديدة لراقصيه مستفيداً من مناخات الموسيقى الصوفية لفرقة (وشم) المغربية معولاً في ذلك على تورية ماهرة لجوقة جسدية متناغمة جعلت من الشعر الصوفي مرتكزاً وجدانياً في صياغة اللوحة وتطويرها نحو آفاق إعتاق الجسد من مصادرات المدرسة وتعاليم كل من إيزدورا دنكن ومارتا غراهام وبينا باوش نحو شخصية شرقية للرقص المعاصر قاربت في (دقائق) صيغة عرض مصمم الرقص البريطاني من أصل بنغالي أكرم خان في عرضه الأخير الذي اشتغل فيه على أشعار جلال الدين الرومي.
وتشكل (سمة) للرقص المعاصر علامة فارقة في محترف المسرح السوري المعاصر ذات الطابع الشبابي الذي طور فرضياته بجهد شخصي مكسراً قوالب أكاديمية الرقص الكلاسيكي نحو لغة شعرية للجسد نهلت من مصادر صوفية وبصرية وطقوسية لتكون في مقدمة الفرق العربية التي جاهرت منذ بداية الألفية الثالثة بطموح فني غاية في الجدة والحداثة والتمرد على أنماط الرقص التزييني ذات الطابع الترفيهي حاملةً عناوين حضارية لفن الحركة وقدرته الاستثنائية في صياغة خطاب أكثر تواءماً مع الجمهور الجديد.
يذكر أن فرقة (سمة) تأسست منذ ثمان سنوات حاولت خلالها أن تتعرف على العديد من الثقافات الحركية في العالم حيث قدمت 29 عرضاً وما يقارب 200 لوحة وشاركت في عروض كثيرة منها.. عرض (تيامو) إخراج رغداء شعراني و عرض /تكتيك/ إخراج عبد المنعم عمايري إضافةً إلى إحيائها حفل عيد التلفزيون السوري الخمسين أوبرا دمشق 2010 فضلاً عن عرض مشاركتها مع جوقة الفرح تكريماً للفنان الكبير وديع الصافي/ أوبرا دمشق/2010 و ختام مهرجان دمشق المسرحي/ أوبرا دمشق/ 2010 .