خلال العقود الماضية التي تعاقبت فيها العديد من الحكومات، لم نصل إلى وضع حلول استراتيجيه لمشكلاتنا، كنّا دائماً نتبع طريقة “يا بتصيب أو بتخيب” بمعنى الاعتماد على التجريب في زمن لم يعد فيه التجربة تنفع!!.
بالأمس لفتني مقال جميل في إحدى الصحف المحلية يشير بوضوح إلى حالة التخبط والظلم الذي يطال الكوادر الشابة التي تبحث عن ذاتها وهي المتحمسة للعمل من أجل الوطن تقول الحدوتة التي سردتها الصحيفة أن “ربّان ذكي أراد صُنع سفينة في وسط البحر لتكون أكبر سفينة تقطع المحيطات..، لم يُكتب في الجرائد “نريد مهندسين ذوي خبرة خمسة عشر عاماً في صناعة السفن..، ويمتلكون شهادة جامعية في مجال الهندسة الميكانيكية”.
والسبب أن هذه الطريقة ستجعل الكثير من عامة الخريجين يتقدمون لهذا العمل، وبالتالي لن يستطيع فرز الجيد من الممتاز، لأن الامتحان سيكون لاحقاً أي بعد القبول النظري، في عرض البحر..، لكن وعوضاً عن ذلك كتب إعلاناً مثيراً للاهتمام في الجريدة، جاء كالآتي:
“نريد أشخاصاً تحب المغامرة..، نريد أن نصنع أكبر سفينة تستطيع السفر لأميال طويلة والعمل سيكون في ظلمات البحر..، والمرتبات ضعيفة..، وليس مضموناً رجوعك سالماً في حال الاشتراك في هذا العمل الضخم”..!.
وحسب الحدوتة “تقدّم للمهمة خمسة عشر شخصاً وهؤلاء هم من كانوا الأشخاص المطلوبين فعلاً”.
هؤلاء اشتغلوا على المشروع بكل جدّ..، لكن السفينة تحطّمت وسط البحر عند الإبحار..، ورغم ذلك رجعوا جميعاً سالمين..، وذلك لأن الأشخاص المشاركين كانوا هم الأفضل لهذه المهمة.
العبرة من هذه القصة تقول: لا تقُم بوضع مقاييس للأشخاص الذين سيشاركونك طريق النجاح..، بل وضّح لهم الرؤية فقط ..، وإذا اتفقوا معك عليها..، فلن تضطرّ لإقناعهم بشيء..، لأنهم سيقومون بالواجب وزيادة..، لكونهم بالأساس آمنوا وقبلوا بالفكرة والظروف وطبيعة العمل..، وما سيتبع ذلك من تحديات.
هذه الفكرة لها من الأهمية الكثير، لأنها أولاً خالفت المتبع والدارج حين اختيارنا للكوادر المطلوبة والمناسبة لإدارة عمل ما، وثانياً كسرت بفرادتها وتميّزها المحدّدات الجاهزة التي يمكن أن تنطبق على الكل، في حين أن المطلوب هو المختلف من الكفاءات..، التي لا تتقدّم لعمل ووظيفة ما من منطلق احتياجات حياتية تقليدية أو أهداف مناصبية لاحقاً وغير ذلك من “طموحات” شخصية، بعيدة كل البعد عن المفاهيم الحقيقية لفقه الأعمال.
ويبقى السؤال رداً على ما سبق: هل سنتعلم الدرس ونعرف كيف نستثمر مواردنا البشرية المبدعة بوضعها بالمكان الذي يجعلها تبدع؟!
- راصد