(ابتهال) هو اسم المقطوعة الأولى التي افتتح بها خماسي دمشق لنحاسي أمسيته أمس على خشبة مسرح الدراما في الأوبرا السورية حيث تميزت شخصية هذا التجمع الفني بتشكيلة آلية متوازنة صوتياً إضافة إلى قدرته وطواعيته في عزف كل الأشكال الموسيقية ليكون هذا الريبورتوار خلاصة لمختلف الاتجاهات والعصور من الكلاسيكية إلى الجاز.
وتضمن الحفل الذي شارك فيه كل من راني إلياس (ترومبيت.. دلامة شهاب – ترومبيت.. إيغور غالينيسكي – هورن.. فلاديمير كراسنوف – ترومبون.. شربل أصفهان – توبا..) أكثر من خمس عشرة معزوفة كان أبرزها (روندو) لمؤلفها كلارك على آلة الترومبيت إضافة إلى هاليلويا لهاندل التي امتازت بحيوتها الأدائية وقدرتها على تحقيق تعددية الصوت وإضفاء الشخصية الهارمونية لجوقة هذه الآلات النفخية.
وفاجأ خماسي دمشق جمهوره بمقطوعة (قداس الموتى) من القداس الجنائزي لموتزارت مقرباً هذه الموسيقا الجادة من ذائقة الحضور عبر آخر سيمفونية وضعها المؤلف النمساوي دون أن تكتمل إلا بموته لتحقق الفرقة السورية سبقاً فنياً في إعادة توزيع هذه المقطوعة الغنية ببنائها الدرامي الملحمي والعابقة بعبقرية (موتزارت) العابرة للعصور.
كما عزف الخماسي افتتاحية أوبرا (الناي السحري) لموتزارت ليعقبها بمقطوعة لشتراوس تحت عنوان (هكذا تكلم زرادشت) التي وضعها هذا المؤلف من وحي كتاب العنوان ذاته للفيلسوف الألماني (فريديريك نيتشه) لتكون الموسيقا بمثابة حامل معرفي وثقافي في محاكاة الأفكار الكبيرة التي تصدى لها مفكرو العالم على مر القرون.
وأدى خماسي دمشق مجموعة من المقطوعات العالمية الشهيرة على نحو (صدى للغروب) لـ (تش د ستيفانو) و(وردة الزفاف) لـ (لافاليه) و(ست مستويات من الترشيح) للمؤلف السوري (ناريك عباجيان) إضافة إلى مقطوعة (السلام عليك يا مريم) للمؤلف الروسي الكبير (رحمانينوف).
وتمكنت الفرقة السورية التي تأسست منذ أكثر من عشر سنوات أن تقدم صياغة مغايرة في تناولها لعدة معزوفات على نحو النمر الوردي لـ (اتش مانكيكي) و(رقصة السيوف) لـ (خاتشدوريان) و(كانون) لبخلبيل أبرزت قدرة العازفين الخمسة على تحقيق مستويات عالية من التآلف والحوارية اللحنية بين أصوات آلاتهم معززين بذلك الجماليات الموسيقية الميلودية بعيداً عن فرق الأوركسترا الضخمة التي تعزف غالباً مثل هذه المقطوعات.
يذكر أن خماسي دمشق النحاسي تأسس عام 2000 من خلال لقاء مجموعة من الموسيقيين عازفي آلات النفخ النحاسية من طلاب وخريجي وأساتذة المعهد العالي للموسيقا حيث كون إحدى الظواهر الموسيقية النادرة في الحياة الثقافية الموسيقية السورية والشرق الأوسط بحكم كونه من أوائل تشكيلات الآلات النحاسية فيها لما يتطلبه ذلك من خصوصية وحرفية عالية على صعيد العزف والخبرة الأدائية وعمل خماسي دمشق خلال السنوات الأخيرة بشكل مستمر وجاد في البحث عن هويته عبر إعادة توزيع أعمال من التراث الموسيقي الغنائي العربي وتقديمه بشكل آلي صرف.