القنوات الفضائية اليوم بألوانها وأشكالها المختلفة ، هي كالنار تحت الرماد، موجودة في كل بيت، لديها القدرة على الوصول لكل فرد منا ، وأخطر ما فيها أنها بعيدة عن أي رقابة أو منع أو حتى تقييد أو تحديد ،جمهورها من الأطفال والمراهقين والشباب والمسنين, أمام هذه الفوضى ، أسئلة عديدة تطرح نفسها في ظل هذا الزخم الإعلامي:
ماذا عن تأثير المحطات الفضائية على المراهقين والشباب؟ وهل يعتمد البعض منها على «دس السم في الدسم»؟
وماذا يريد الشباب من تلك الفضائيات ، وهل يمتلكون القدرة على فرز الغث والسمين ، أم أنهم متلقون ومتأثرون ومنجذبون وراء بريق الصورة والترفيه والجمال المحول إلى سلع دون أي رفض لقيم استهلاكية ؟؟
اهتمامات متنوعة
تتباين اهتمامات الشباب فيما تقدمه المحطات الفضائية العربية، وينبع ذلك من تنوع الميول واختلاف الشخصيات والآراء، تقول لمياء العلي إنها تتابع بالدرجة الأولى الأغاني والأخبار، إلى جانب البرامج العلمية التي تزود بالمعلومات القيمة، ، وتوضح غيثاء حسين أن الفيديو كليب والأغاني تجذبها وتدفعها إلى تقليد المغنين والمغنيات في اللباس والحركات وطريقة الحديث وحتى تقليد المذيعات، ، وتعرب نوار العلي عن عدم إعجابها ببرامج تلفزيون الواقع والمسابقات التي تحاول تقليد برامج غربية دون وعي لطبيعة مجتمعنا وخصوصيته، فهذه البرامج نُفذت من أجل تحقيق أعلى نسبة مشاهدة وبث أكبر كم من الإعلانات لتحقيق مكاسب طائلة وهي تتخطى حدود المنطق لتعرض أشخاصاً تجعلهم رموزاً يمارسون حياتهم الطبيعية ، وللأسف فان هذه البرامج كما تقول نوار على محطاتنا الفضائية في ازديادوتكاثر .
سلاح ذو حدين
ناريمان عيسى ترى أن المحطات الفضائية سلاح ذو حدين فهناك البعض منها يساهم في عملية البناء والتطور في المجتمع من خلال بث قيم فكرية وثقافية واجتماعية تساعد على إشاعة روح الإخاء والتسامح تهيأ الأرضية الصحيحة للبناء السليم القادر على استيعاب كافة الطاقات والقدرات الإبداعية والخلاقة , وطبعا ذلك بناء على توجهات القائمين على المحطة واتجاهاتهم فإن كانت اتجاهاتهم سليمة ستنعكس على البرامج المقدمة ونوعيتها وإن كانت اتجاهاتهم غير سليمة فسيكون المشاهد وبالأخص المراهقين والشباب ضحية ما يقدم لهم خاصة أولئك الغير محصنين ثقافيا ولا يستطيعون غربلة المعلومات واختيار النافع منها .
فضائيات مغرضة وتحجيم للطاقات
ويشير منذر الحسين إلى الدور السلبي الذي قدمته مجموعة من القنوات الفضائية العربية من تضليل إعلامي في الفترة الماضية ولا تزال تواصل ذلك التضليل حتى اليوم وتأثيرها على شريحة من الشباب التي غرر بها وانقادت وراء كذب وتضليل تلك القنوات ويؤكد أن شريحة الشباب التي ركبت موجة كذب تلك الفضائيات هم ممن يملكون عقلية خام غير قادرة على تمييز ما يصل إليها وما يمر إليها فأصبحوا مبهورين ومدفوعين خلف أقوال وأخبار وبرامج الهدف منها إثارته وتحريضه للقيام بعمل ما يسيء لمجتمعه ووطنه , وينوه إلى أن هذه الفضائيات أرادت استقطاب هذه النماذج المتخلفة واستغلالها وجعلها مصدر كسب الملايين من الدولارات بعد أن قامت باستحداث أنواع من الأخبار المفبركة تمكنت من خلالها شل تفكيره وجعله يعيش في عالم من الخيال وإغرائه ببعض اللقطات لتجعله منشدا للشاشة لتحرفه عن دوره الريادي وتوجيهه وفق المفاهيم البالية بعد أن وجد أمامه فراغا شاسعا لا يمكن أن يملئه لعدم امتلاكه الأدوات الكافية التي بإمكانه استخدامها للوصول إلى ما يريد مما دفعه الانسياق وراء كل ما يطرح وبالتالي التعامل معه على أساس ما أراد القائمين على تلك القنوات لأنهم بفعلهم هذا أرادوا تحجيم تلك الطاقات وعدم مساعدتها للقيام بدورها لتكون معاول هدم (حتى لو كانت بصورة غير مباشرة ) تؤدي إلى شلل ما يحيط بها وأعاقته من النهوض والاستمرار .
في حين يرى نزار الشمالي انه من الضروري القيام بمعالجة جادة تساهم فيها كل الأطراف والطاقات الخيرة لكي تأخذ دورها في التصدي بحزم لكل تلك الأساليب الرخيصة وعدم إعطائها الفرصة لبث سمومها القاتلة في هذا المجال الحيوي ( الشباب ) الذي أصبح متاحاً لها بعد أن تمكنت بطرقها المعروفة من التعامل معه وفق الخطط التي تم وضعها لذلك بإعداد دراسات قام بها المعنيين بهذا الشأن .
تجارية وهدفها الربح
ومن وجهة نظر فؤاد أبو عسلي أن ليس كل ما هو موجود في القنوات الفضائية خاضع للرقابة، فالبعض منها تجاري هدفه الربح ويبث برامج تستقطب الشباب، إلى جانب التأثير في سلوكياتهم بتقليد اللباس وقصات الشعر لأبطال هذه المحطات ما يجعلهم قدوة يحتذى بها.
ويوافقه الرأي مهران مهنا بأن النظرة العامة لأصحاب الكثير من الفضائيات تميل إلى والنظرة التجارية الربحية ، والقليل منها يركز على الجانب الجاد الايجابي .
في حين يقول أبو سامي /48/ عاماً بأن من أبرز مشكلات القنوات الفضائية أنها تشجيع المراهقين على تقليد الموضة الغربية والتخلي عن القيم الاجتماعية, كما إنها تبعدهم عن المشكلات الحقيقة للواقع وتعمل على إحداث التغيير السلبي على الروابط الأسرية ” الكثير من الفضائيات الهابطة تسعى إلى إبعاد الشاب عن أسرته وفقدان التواصل والحوار معها لأنه يصبح أسير ما تثبه من سموم وهو ما حصل مع ابني سامي حيث أن محطات المسلسلات والفيديو كليبات والأغاني الهابطة أبعدته عن الأسرة والانزواء أمام شاشة التلفاز “
دور الأسرة
تؤكد المهندسة علياء الاشمر رداً على سؤال عن دور الأسرة بهذا الخصوص ، أنه في ظل الانتشار الكبير للفضائيات فانه من الواجب على كل أسرة أن تقوم بتوجيه أبنائها لمواجهة هذا الغزو وتحصين الشاب والشابة من تأثيرها الخطير وتضيف: ينبغي علينا كأسر أن ندع الشباب يشاهد الفضائيات بكل شفافية ولكن من الضروري تقديم النصح لهم وتوضيح أن هناك بعض البرامج التي تقدم ما لا يتفق مع قيم المجتمع وتقاليده وعاداته ، ولذلك يجب إعطاؤهم الوقاية من الانجراف أو الانحراف وراء أفكار هذه القنوات والوقاية خير من العلاج.
للأسف الكثير من القنوات الفضائية اليوم تشترك في مؤامرة هدم الشباب وطاقاتهم ، بعضها يدرك ذلك ويؤدي دوره بعناية والبعض لا يدرك – عن سذاجة – لكنه يؤدي نفس الدور من باب التقليد ” الأعمى” لقضية ليست سهلة، لأنها تستهدف مجتمعنا في مفاصله، بل في عموده الفقري.ونقطة ارتكاز قوته ” الشباب الواعد ” .
ما نأمله من خطابنا الإعلامي المحلي الملتزم التعامل مع الواقع بصدق من خلال الاهتمام بقضايا شبابنا لأنه بذلك يستنهض هممهم ويزيل الغشاوة عن عيون المغرر بهم ودفعهم للبحث عن الحقيقة والتعامل مع الأزمات وفق مصداقية عالية وحرفية تمكن من الوصول إلى الأهداف المبتغاة .
ميس خليل